موقع المرأة في المشروع الحضاري

منذ بدء الخليقة اعلن الله سبحانه وتعالى امام ملائكته: (اني جاعل في الارض خليفة), وكان ذلك الخليفة هو الانسان الذي تحمل اعباء تلك الامانة التي سبق وان عرضت على السموات والارض والجبال (فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان, انه كان ظلوماً جهولا).
وكلمة انسان تعني المراة والرجل, دون التفريق بينهما, فهي كما الرجل غاية المشروع واحد مصادر طاقته الحركية كما ان المراة كاخيها الرجل مستخلفة في الارض تقع عليها اعباء تطبيق المشروع وتحقيق اهدافه: (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى) و (يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة).
واضافة الى وحدة النوع ووحدة الاصل, اثبت القران, وحدة القيمة عند الله بالنسبة لعمل الطرفين, الرجل والمراة: (ومن عمل صالحاً من ذكر او انثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب).
يلاحظ المتدبر للقران الكريم, ان ثمة موقعين للمراة في المشروع المشار اليه, الموقع العام والموقع الخاص.
اما الموقع العام, فلا نجد في القران تخصيصاً للمراة فيه, باستثناء التركيز على تساوي عمل المراة في هذا الموقع. وسر"تجاهل" القران للمراة في موقعها العام – وهو الامر الذي كان يضايق بعض النساء المسلمات في المجتمع الاسلامي لعدم ادراك سره – هو ان القران الكريم كان يتحدث عن دور "الانسان" في هذا الموقع العام, الامر الذي ينفي الحاجة مبدئيا الى تخصيص الحديث بالمراة لان الحديث عن الدور العام للانسان يشمل – بداهة – الرجل والمراة ومع ذلك فقد كان القران الكريم يخرج عن هذه القاعدة ويبرز مساهمة المراة في هذا الموقع العام..
يبقى الدور الخاص للمراة, وينبثق هذا الدور من احدى مقتضيات التخطيط الرباني لمسيرة التكامل البشري, بها مسالة ادامة النسل, ذلك ان هذه المسيرة – كانت في علم الله – ستأخذ وقتا طوليلاً, حتى تصل الى درجات كمالها القصوى, وهذا يعني ان على الانسانية ان تاخذ وقتها الكافي, وهذا لا يعني اطالة عمر كل انسان على حدة, مئات بل ربما الاف السنين بل يعني ادامة عمر البشرية نفسها, وذلك عن طريق تعدد اجيالها بحيث تكون اجيال البشرية المتلاحقة (حلقات) في عمر الانسانية, ومن هنا – بالضبط – نشأت الحاجة الى التوالد والتناسل بين الرجل والمراة.. ومن هنا نشأت نواة المجتمع البشري.